مع استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، يشتد الجدل حول شكل الحُكم في القطاع بعد حماس. تُطرح نماذج متعددة، لكن وجود حماس—كفصيل مسلح، أو حركة سياسية، أو حتى كفكرة—يُبقي خطر عودتها إلى السلطة قائمًا. فالمنظمة ترفض أي وقف لإطلاق النار يمس بمصالحها أو نفوذها، رغم تزايد الانتقادات الداخلية في غزة بسبب الدمار الواسع. ومع أن الحرب أضعفتها، إلا أن فكرتها لا تزال حية، ما يُصعّب إقصاءها كليًا. توضح ذلك الكاتبة مايان داغان في تحليلها المنشور في موقع أتلانتيك كآونسل.

وادعت مايان أن الطريق نحو إعادة إعمار غزة وتغيير واقعها يبدأ بفكّ الارتباط بين حماس والسكان. ولن ينجح هذا المسار دون توفير بديل مدني قادر على تلبية احتياجات الناس اليومية. وترى أن استبدال السلطة لا يعني فقط القضاء على البنية العسكرية لحماس، بل خلق هيكل حوكمة يُقنع الشارع الفلسطيني بقدرته على تمثيله وخدمته. وهذا يتطلب أكثر من مقاربة أمنية أو عمليات عسكرية.

إسرائيل قد تلعب دورًا في تحجيم قدرات حماس، لكن الفاعلين القادرين على بناء سلطة جديدة على الأرض هم الجيران العرب، وتحديدًا مصر والأردن والسعودية. هذه الدول، بحسب مايان، تملك أدوات التأثير اللازمة لإعادة هيكلة المشهد السياسي والاجتماعي في غزة، سواء عبر دعم السلطة الفلسطينية أو تشكيل مجلس محلي انتقالي تديره شخصيات فلسطينية مقبولة مدعومة عربيًا.

المعضلة هنا أن أي سلطة بديلة ستكون"صنيعة الاحتلال" إذا لم تحظَ بغطاء عربي وفلسطيني واضح. لذا لا يكفي أن تُسقِط إسرائيل حكومة حماس بالقوة، بل لا بد من طرح بديل سياسي مدعوم عربيًا ودوليًا، ومستعد لتحمّل عبء إدارة غزة المعقد.
ترى مايان أن الحل لا يكمن في إعادة السلطة الفلسطينية بشكلها القديم. فالكثيرون في غزة يرون في السلطة كيانًا عاجزًا وفاسدًا، وعودتها وحدها قد تعزز من شعبية حماس مجددًا. الأفضل، بحسب التحليل، هو تأسيس إدارة مدنية مؤقتة، تضم شخصيات تكنوقراط فلسطينية مدعومة من دول عربية، مع إشراف دولي خفيف يضمن انتقالًا سلسًا نحو انتخابات مستقبلية.

لكن هذه الرؤية تصطدم بعقبات سياسية كبيرة. مصر تتوجس من تولي مسؤولية مباشرة عن غزة. الأردن لا يرغب في الانخراط الميداني. والسعودية تتحرك ببطء شديد في الملفات الفلسطينية، وتركّز على ترتيب البيت الخليجي أولًا. ومع غياب التوافق العربي، يبقى الفراغ الإداري في غزة قائمًا، ويتيح لحماس العودة ولو بشكل جزئي، عبر العمل الأهلي، أو الإعلام، أو حتى عبر إعادة تشكيل جناحها السياسي تحت مسمى مختلف.

تشير مايان إلى نقطة حاسمة: إعادة إعمار غزة ستكون ورقة ضغط مهمة. الجهة التي تدير ملف الإعمار وتمول الخدمات ستكون صاحبة اليد العليا سياسيًا. لذا تسعى واشنطن إلى تنسيق عربي يُحدد هوية من يشارك في إعادة الإعمار. بدون هذا التنسيق، قد تملأ إيران أو قطر هذا الفراغ مجددًا، ما يمنح حماس مساحة لإعادة التموضع.

في المقابل، تعتمد أي سلطة جديدة على تجاوب الشارع الغزّي. لا يكفي أن تُفرض جهة حاكمة من الخارج، بل لا بد أن يشعر السكان بأنها تعبّر عنهم. لذلك يرى داغان أن الشخصيات الفلسطينية التي قد تشارك في الحكم يجب أن تنحدر من غزة أو على الأقل تحظى بشرعية محلية، لا أن تُستورد من رام الله أو منفى العواصم.

تنهي مايات تحليلها بالتأكيد أن نهاية حماس كسلطة حاكمة لا تعني نهاية تأثيرها. فالفكرة التي تمثلها، والمظلومية التي تتغذى عليها، ستبقى طالما استمر الاحتلال، واستمر غياب الأفق السياسي للفلسطينيين. لذا، إذا أرادت الأطراف الفاعلة تجنب العودة إلى دوامة العنف، فعليها أن تقدم رؤية سياسية واقتصادية قابلة للتحقق، وتُدعم من جيران غزة قبل أي جهة أخرى.

https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/why-gazas-post-hamas-future-depends-on-its-arab-neighbors-not-just-israel/